الرئيسية / الحغرافيا الاجتماعية / التصميم الاساس للمدينة وغياب الدولة

التصميم الاساس للمدينة وغياب الدولة

التصميم الاساس للمدينة وغياب الدولة :

نتائج ، المخفي منها اعمق من المنظور

 

يعتقد الكثيرون ان غياب الدولة منصب على تعدد جهات القرار النافذ وانتشار وسطوة السلاح المنفلت ، وتفشي الفساد الاداري . هذه في منظورعامة الناس ، ونتائجها يمكن ان تزول او تضمحل حالما تثبت الدولة وجودها على الساحة الداخلية (والخارجية) . ولكن هناك غيابا له تاثيره على مستقبل البلد و حياة المجتمع . وما سيطرح هنا ، عن احد انواع او اوجه غياب الدولة و عدم تنفيذ القوانين المجتمعية . لكل مدينة تصميم اساس يحدد استعمالات الارض فيها و لمدة زمنية محددة ، ولها بنيتها التحتية التي صممت بطاقة استيعابية محددة . والتجاوز عليهما له نتائجه الوخيمة التي لا تظهر آثارها الا بعد فترة من الزمن .

سنحت لي فرصة للتجول مع احد معارفي بحثا عن سكن له في بغداد ، الاعظمية على وجه التحديد . وقد اطلعت مباشرة على أسوأ التجاوزات السكنية (ناهيك عن غيرها) . وبحكم اختصاصي (دكتوراه سياسة الاسكان – المساكن دون المعيار substandard urban housing ) فقد تالمت كثيرا . فالمنازل دون المعيار هي في الغالب قديمة ، بنيت طبقا لمعايير زمن  سابق ، اما ان تبنى منازل في الوقت الراهن بعيدا عن معظم ان لم يكن جميع معايير الاسكان اللائق بسكنى الانسان unfit for human habilitation فما كنت اتوقعه ، وخاصة في بغداد الحبيبة . يؤكد ما شاهدته بنفسي غياب كامل لدور امانة بغداد و دائرة التخطيط العمراني فيها .

اشاهد بين فينة واخرى اعلانات لمكاتب هندسية عن انجاز واجهات منازل (10 متر) ، وعن بناء منزل بمساحة (90 متر مربع) ، وكنت احسب أن هذا اعلانا عن مقدرة هندسية لا غير . لكن ان تكون (الشقة) بمساحة (60 متر) او اقل وبواجهة (3 م) صدقته فقط عندما شاهدته ، وان تبنى عمارة سكنية بمساحة (110 متر مربع) امر شاذ فعلا . لعل تسابق البعض لتقسيم الوحدات السكنية قصد التأجير وراء هذه الموجة ، ولكنها لم ولن تكون الا بغياب الدولة . ولا اريد الاشارة الى ضوابط البناء سابقا ، سواء للمنازل المفردة او الشقق السكنية .

نتائج غير منظورة

  • الضغط العالي والمستمر (والاستمرارية تضاعف الاثر وتعجل بالانفجار) على البنى التحتية ، خاصة عندما ترافقها سياسات لا حكيمة في خصوص استيراد السيارات والاجهزة الكهربائية و انتاج الطاقة . و ما نعيشه حاليا من اختناقات مرورية و معظلتي الكهرباء و المجاري خير دليل على ذلك .
  • ان ارتفاع الكثافة في الحي السكني له نتائجه الاجتماعية ، ((كل شيء يزيد عن حده ينقلب ضده)) ومخاطره تتضح مباشرة عند حدوث الكوارث الطبيعية : الحرائق ، الانهدامات ، وغيرها .
  • تقارب الشقق والمنازل من بعضها البعض ايجابي عندما يكون هناك تفاهم وتقارب بين افكار الساكنين ، وتكون بابا للمشاكل المستمرة بين الابناء من جهة و بين ربات البيوت من جهة اخرى ولاتفه الاسباب . هذا على المستوى الكبير ، الشارع و الحي السكني و المدينة .
  • اما بالنسبة للوحدات السكنية ، فنسبة عالية منها تفتقد الانارة الطبيعية ، و التهوية الكافية ، ولكليهما اثارا مباشر وخيمة على صحة الساكنين . إذ توفر اجواء للفطريات و الحشرات للعيش والتكاثر وبالتالي الاضرار بصحة الساكنين : ربو ، روماتيزم ، مفاصل ، ضعف بصر ،  وغيرها .
  • نظرا لصغر مساحة الشقق السكنية ، فان الكثافة السكنية فيها ، وبمختلف المقاييس : شخص \ غرفة ، شخص \ متر مربع ، وغيرها من المعايير التخطيطية ستكون عالية جدا . و معروف جيدا لدى علماء النفس والتربويين و المخططين اثر الكثافة على شعور الانسان وراحته واحساسه بخصوصيته . فكلما ارتفعت الكثافة تفاقمت معها النزعة العدوانية و كذلك حالات الانطواء و الكآبة ، والامراض النفسية والاجتماعية .
  • الحالة المشار اليها آنفا تدفع بالمؤجرين الى التوجه الى خارج ما يفترض ان يكون (سكنا – بمعنى السكينة والراحة) لهم والتواجد في اي مكان ، الشوارع المزدحمة بالناس والسيارات .
  • تحتضن الشوارع كل من ترك (سكنه) ولاي سبب كان ، وبهذا تكون مرتعا للمفسدين ، وللتغرير بالشباب و دفعهم لتعاطي المخدرات و القيام بما لا يخدم المجتمع . بمعنى فرصة ذهبية لغياب دور الوالدين في التربية والتوجيه وترك الامر الى الاخرين في الشارع . وينطبق هذا على الجنسين ، والصغار والكبار ، فالجميع تحت ضغوط كبيرة ومنوعة .
  • سلالم معظم الشقق شبه عمودية ، فهي سبب مباشر لشكوى المسنين من الام الركبتين و الظهر ، وسبب حوادث الاطفال عند الصعود والنزول غير المتزن .
  • المسكن ، يعني اسرة ، ومتى ما كانت الاسرة مستقرة ومرتاحة في سكنها ، اهتمت بشئونها الخاصة ، التربوية والمعيشية بشكل جيد . والاسرة هي عماد المجتمع وبنيته الاساسية . و دفع الاسرة الى التشتت بسبب الواقع السكني حالة خطيرة جدا جدا .

اقترح على الاكاديميين دراسة الموضوع بشكل عميق وبمنهجية ذات افق تطبييقي ، ولعل الله يحدث بعد ذلك امرا ، وهو ولي التوفيق .

 

ملاحظة : لمن يرغب دراسة المشكلة ميدانية فانا مستعد للتعاون في تنظيم استمارة الاستبانة و عملية التحليل ….

 

عن الدكتور مضر خليل عمر الكيلاني

متقاعد حاليا ، ارحب بكل من يحتاج مساعدة للتعلم واكتساب خبرة في البحث العلمي ، والجغرافيا بشكل خاص ، وكلي استعداد لتقديم يد العون ، لوجه الله .

شاهد أيضاً

دليل جغرافية الثقافة والحضارة

القسم الاول دليل جغرافية الثقافة والحضارة مقدمة المجتمع محل النقاش استعادة الاجتماعي في جغرافية المجتمع ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *