الرئيسية / الجغرافيا التطبيقية / دراسة تداعي بغداد حضاريا

دراسة تداعي بغداد حضاريا

دعوة لدراسة تداعي بغداد حضاريا

          ما حدث ويحدث في شارع الرشيد (على سبيل المثال لا الحصر) امر يؤلم كل محب لبغداد عرفها منذ زمن ، كذلك الامر في الكثير من احياء بغداد ومناطقها . بغداد تستحق الدراسة المعمقة والشاملة ، فما حدث فيها ويحدث يجب بالضرورة ان يوثق تاريخيا – جغرافيا – عمرانيا – اجتماعيا – اقتصاديا – حضاريا . ولا يمكن لشخص واحد القيام بذلك . يتطلب الامر فريق عمل متعدد التخصصات العلمية ، يضع هدفا استراتيجا و خطة عمل بحثية شاملة ومتكاملة . فالدعوة موجهة للمؤسسات العلمية النزيهة غير المرتبطة بجهات خارجية .

في البدء ، لنتفق على ما المقصود بثقافة المجتمع المحلي . ((اشكر اخي وزميلي استاذ فراس العراقي على تصويباته)) انها البيئة الاجتماعية – الاقتصادية – الحضارية – القانونية التي يعيشها المجتمع و تحدد سياقات سلوكه ونمط حياته . انها نتاج سياسات الجهة (الفئة) الحاكمة ، طبقا لاستراتيجاتها الذاتية (او الموجهة و المنقادة لها طواعية) . بهذا المعنى هناك تباينات واسعة وكبيرة بين المجتمعات و ثقافاتها ، بدء من ثقافة \ حضارات الاقوام البدائية المنعزلة كليا عن العالم الى الاقوام التي تحكم القوانين سلوكياتها الشخصية والتي اضحت نتيجة هيمنة القانون و سيادته لاجيال ، اضحت اعرافا اجتماعية ترعرع عليها جيل بعد جيل (المجتمعات المستقرة اقتصاديا وسياسيا).

وحتى المهن (على اختلاف انواعها وعبر التاريخ)  لها ضوابطها واعرافها ونواميسها ، اي ثقافاتها الخاصة بها والمتعارف عليها بين ابناء المهنة الواحدة . ولكل منها مفرداتها اللغوية ، و رموزها المهنية و معتقداتها واعرافها .  تنعكس جميع هذه بمعطياتها وابعادها السلوكية في بيئة الشوارع المحلية الخاصة . والثقافة ، على مختلف مسمياتها و مقاييسها منفتحة على العالم الخارجي المحيط بها والمؤثر عليها (سلبا او ايجابا) ، مع فارق درجة الانفتاح ، وبهذا فانها ليست جامدة ولكنها متحركة ديناميكيا بالقبول او الرفض لكل ما هو جديد . ولكل جديد مؤيدوه و معارضيه ، والصراع بين الاثنين قائم على قدم وساق الى حين سيادة الجديد و ظهور ما هو اجدد واحدث ، ليبدأ صراعا آخر ، وهكذا دواليك . انها سنة الحياة وسمة من سمات (التطور والتقدم) .

عود من حيث البدء ، كيف يقرأ جغرافي الثقافة \ الحضارة  الشارع و المؤشرات التي يعكسها ليحدد مستوى ثقافة المجتمع المحلي ونوعيتها ؟ ((دراسة التباين الثقافي للمجتمعات المحلية في المدينة ، او التباين في اداء الحكومات المحلية من خلال مؤشرات ثقافية)) . ما هي المؤشرات التي نجدها في الشارع لتعكس مستوى ثقافة المجتمع المحلي ؟ ومستوى الخدمات المقدمة له ؟ هل تتمثل باثاث الشارع ؟ بمظهرة العمراني Physical landscape ؟ بمظهره الحضاري Cultural landscape ؟ بنظام المرور فيه Traffic system؟   بسيادة القانون فيه Law order  ؟ بوضوح عناصر التصميم الاساس فيه Development control ؟  ودور البلدية في تنظيمها وادامتها لخدماته ؟ ام هذه جميعا ، اضافة الى ما يراه الباحث مناسبا ومهما في دراسته ؟

يعتمد البحاثة المقارنة عادة في عملية القياس والتقييم ، و المقارنة اما ان تكون مع حالة مثالية او افتراضية ، من جهة ، ومن جهة اخرى بين الواقع الراهن في منطقتين مختلفتين – تباين مكاني و \ او المكان نفسه عبر الزمن – تباين زمني . المقارنة الاولى ، مع الحالة الافتراضية ، تؤشر المستوى والمرحلة التي وصل اليها الواقع مع ما يفترض ان يكون عليه الحال . اما المقارنة الثانية هدفها قياس التباين المكاني  او الزمني ضمن منطقة الدراسة . وفي جميع الاحوال ، الارضية الفكرية التي تستند عليها هذه المقارنات  هي : ان لكل شيء دورة حياة Life Cycle ، والهدف قياس و تحديد المرحلة التي وصلت اليه منطقة الدراسة في دورة الحياة . يضاف الى ذلك ، فكريا ، ان المدينة (الا نادرا و في حالات خاصة) لم تبنى في وقت واحد ولهذا هناك تباينات بين اجزائها تخطيطيا ، عمرانيا واقتصاديا واجتماعيا . يضاف الى ذلك ، مقولة توبلر : ان اي شيء له علاقاته بكل شيء ، بمعنى ان اي تغيير في اي عنصر من عناصر الحياة (الديموغرافية ، الاقتصادية ، السياسية ، العمرانية ، التكنولوجية) له انعكاساته على العناصر الاخرى ، وبمحصلته النهائية على مجمل الحياة ، وبغض النظر عن المستوى الثقافي او الاقتصادي او البعد المكاني ، لسكان القرية العالمية (الكرة الارضية – المعولمة) . هذه هي العولمة وما آلت اليه التطورات التقنية الحديثة وسياسات اولي الامر ، واوصلتنا اليه طواعية ام كرها . بهذا المنطلق النظري ، يمكننا ان نستوعب المدينة و التغيرات الحضرية (عمرانية واجتماعية) التي تحصل فيها . ولا ننسى عمليات التغلغل والانتشار ثم السيادة و دورها في التغيير العمراني والاقتصادي والاجتماعي للمناطق .  بالربط بين هذه النظريات ، وغيرها ،  نجد ان المدينة تمثل صورة مجسمة متحركة Kaleidoscope ، فكما قيل انك لن تعبر النهر نفسه مرتين ، كذلك فانك لم ولن تشاهد المدينة نفسها مرتين . ففي كل مرة تزورها هناك تغيرات بسيطة تاخذ موقعها لتشكل تغيرا كبيرا لاحقا.

بافتراض وجود نيه لعدد من الباحثين (تخصصات علمية منوعة – جغرافيا ، اجتماع ، اقتصاد ، معماري ، مدني ، بيئي ، ….. الخ) الاشتراك مع بعض لدراسة التغيرات الحضارية (عمرانيا واجتماعيا) التي حدثت و تحدث في بغداد خلال فترة زمنية محددة (ولتكن 1980 – 2020) . فما هي المتغيرات و المؤشرات التي سيعتمدوها في دراستهم للخروج بصورة مجسمة وحية للمجتمع البغدادي ولما حدث بعيدا عن الانحياز  وبعلمية نقية ؟  بالتاكيد ما حدث في حي المنصور يختلف نوعا وكما عن ما حدث في حي الشعلة ، وهكذا تكون المقارنات بين الاحياء السكنية و مناطقها ، و في الحي السكني نفسه خلال مدة الدراسة . بعبارة اخرى ، الى اية درجة كانت التغييرات المكانية متباينة زمنيا ؟ وما السبب ؟

مثل هذه الدراسة ، توثق تاريخيا – جغرافيا – عمرانيا ما حدث ويحدث في المجتمع العراقي خلال مرحلة زمنية عصيبة جدا ، فالتغيرات فيها متسارعة و العوامل المؤثرة عليها متنوعة ، والنتائج المكانية متباينة جدا . من يجرؤ القيام \ الاشتراك بمثل هذه الدراسة ؟ ومن هو المؤهل للقيام بذلك ؟ سؤالين مهمين جدا والاجابة عنهما ليست سهلة و محفوفة بمخاطر الجدل البيزنطي و المزايدات على مختلف الوانها وانواعها.

ستواجه الدراسة (مطبات) كثيرة وطرقا مغلقة Cole de Sac ، وستحاول الاجابة عن تساؤلات (مرعبة) : هل هناك استراتيج لمجمل هذا التغيير ؟ ام انها عشوائية ؟ وفي الحقيقة ليست ، هناك عشوائية من اي نوع في مثل هذه الامور . ما هو دور الافراد ، المؤسسات (الداخلية و الخارجية) في هذا التغيير ؟ وما هي طبيعتهم ؟ وما هي انتمائاتهم ؟ والى اية درجة ما حدث ويحدث في منطقة العبيدي (على سبيل المثال لا الحصر) اثره في منطقة الداودي ؟ وما يحدث في منطقة (ابو غريب) اثره وعلاقته بما يجري في حي الشعب ؟ الى اية درجة تريفت بغداد ؟ وما الفرق بين طريقة تريفها بالدعوات العالمية لترييف المدن وجعلها اكثر اخضرارا و اكتفاءا ذاتيا بالغذاء ؟  هل هناك ثقافات فرعية Sub-Culture في بغداد ؟ واين تقع ؟ وما طبيعتها ؟ ومتى بدأت بالظهور والتبلور ؟ كيف يمكن ان نستوعب التغيرات المكانية – الزمنية الحاصلة في بغداد بمجملها ؟ بعد الربط بين مجريات التغييرات في الاجزاء وما بينها ؟ انه موضوع صعب نسبيا ، ولكنه ليس مستحيلا ، فالتقنيات المعاصرة تسهل عمل وانجاز مثل هذه الدراسات .

عن الدكتور مضر خليل عمر الكيلاني

متقاعد حاليا ، ارحب بكل من يحتاج مساعدة للتعلم واكتساب خبرة في البحث العلمي ، والجغرافيا بشكل خاص ، وكلي استعداد لتقديم يد العون ، لوجه الله .

شاهد أيضاً

مقالات عن ثقافة البحث العلمي

ثقافة البحث العلمي وجهة نظر تطوير ثقافة البحث ثقافة البحث العلمي من المختبر الى المجتمع ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *