انتقال القطب الحضاري
لقد انتقل القطب الحضاري (الانساني) وتطور عبر مراحل تاريخية نوعية ، ولكل مرحلة مكانها وسماتها وطبيعتها . فالقطب الاول كان زراعيا – وديان انهر الرافدين والنيل و السند . انتقل القطب الى شرق البحر المتوسط عندما ركز على التجارة و الاستكشاف – الفينقيين و الرومان . ومع اختراع مكائن الاحتراق الداخلي وما آل اليه الامر من ثورات صناعية متعاقبة في غرب اوربا ، برز القطب الصناعي . وباكتشاف العالم الجديد بدأت مرحلة سيطرة جديدة لامم او شعوب على مقدرات شعوب وامم اخرى . فازدهرت تجارة العبيد ، واستعباد شعوبا بكاملها لخدمة امبراطوريات تستنزف الموارد الطبيعية والبشرية للشعوب التي استعمرتها . ولعل في الافق بوادر نهاية هذا القطب وانتقاله الى مكان اخر جراء التطورات العلمية الراهنة و انعكاساتها السياسية على عموم الكرة الارضية .
استبيحت افريقيا من قبل من غزا العالم الجديد واقفره من سكانه الاصليين ، فهو بحاجة الى عبيد يزرعون القفار الشاسعة التي استحوذ عليها . ولم يدم عصر (العبيد) هذا طويلا حيث قامت حروب و اضطرابات داخلية حادة ادت الى اجبار (السادة) الى منح (العبيد) حقوقهم المدنية (تدريجيا) . ولكن بقيت النزعة العنصرية وحب الهيمنة (والتنمر) تغلي في الخفاء و تطفوا على السطح احيانا كثيرة . فالانسان ضعيف امام نوازعه و رغباته وانانيته المقيتة . ولهذه الصراعات ابعادها المكانية ، في التركيب الداخلي – الاجتماعي للمدن والاقاليم . وهذا صحيح و امر واقع في المدن جميعا ، الغربية على وجه الخصوص .
الراسمالية الغربية ، بقصد تنشيط صناعتها (الاسلحة على وجه الخصوص) ، و للهيمنة السياسية على مقدرات الشعوب وثرواتها شنت حروبا عديدة ، تراجعت عنها لحسابات خاصة ، فقد انتقلت الى اتباع سياسة حروب بايدي محلية (بعيدا عن اراضيها وشعبها) او مسخرة ، وبسياقات وتسميات متعددة وبثياب ملونة بما يناسب الشعار المطروح . ولتحقيق اهدافا مخططة مسبقا تقوم باجراءات منوعة وعديدة لتغيير الخارطة الديموغرافية لشعوب العالم ، وعلى مختلف المستويات و المعايير و التسميات .
ادى هذا النهج الى حركة هجرة واسعة النطاق ، و لمختلف الشعوب والامم و الملل ، ولمسافات منوعة ومتباينة (داخلية وخارجية) . ولعل الهدف كان ، كما يقول المثل العراقي (نخبطها ونشرب صافيها) ، ولكن الواقع في الدول الغربية والولايات المتحدة الامريكية يقول غير هذا . يقول (هذا ما جناه علي ابي) . فالمشاكل العرقية قائمة على قدم وساق ، و التدهور الاقتصادي يتصاعد يوما بعد اخر . فمن يدرس الجغرافيا الاجتماعية للغرب ، جغرافية الحضر – الاجتماعية يدرك عمق المأزق الداخلي الذي تعاني منه حكومات الغرب الاستعمارية . فالتردي الاقتصادي و التنافس بين المجاميع العرقية داخل المدينة ، الاقليم ، الدولة له بصماته على مستقبلها . فلم يعد بريق الذهب لامعا ، وكما شكسبير (ليس كل ما يلمع ذهبا) .
ويبدو ، ان قطب الحضارة الانسانية يسير بخطا حثيثة للتحول الى نوع تقني اخر ، وفي مكان اخر على وجه الكرة الارضية ، وهذا ينبئ بنهاية همينة الغرب : اقتصاديا وسياسيا و علميا ، و الله العالم .
مضر خليل عمر