مخرجات التعليم : الهدف والأسلوب
ليس هدف هذا المقال تعزيز حالة الإحباط التي يعاني منها الكثير من المثقفين الوطنيين تجاه التعليم في العراق ، والمنطقة برمتها ، ومستقبل الأجيال القادمة . وبالتأكيد ليس دعاية لنظام تعليم دولة ما . فمعروف ان عملية المقارنة بين حالتين تفيد في قياس مدى الفاصلة (الزمنية ، العلمية ، الحضارية ، الإنسانية ، السياسية ، التربوية ، المهنية ، الاقتصادية ، الاجتماعية ، ….. ) بين الجهتين المعنيتين . ويعرف المعنيون بالتنمية البشرية ، حق المعرفة ، ان التعليم احد اركانها الثلاثة ، واستدامتها لا تتحقق الا بنشر ثقافة واعتماد أساليب تعليم بيئية رصينة . ويعرف المعنيون ، والمطلعون على العولمة و مسارها و خفاياها و ابعادها ، ان التعليم المعولم هو الوحيد الذي يمكن ان يحقق لاي بلد مكانة في المجتمع الدولي في الوقت الراهن .
والادهى والامر ، أن حاملي الشهادة في علوم التربية والتعليم عندنا يعرفون جيدا ان الطرائق والأساليب المتبعة في مدارس وجامعات بلدنا حاليا قد اكل عليها الدهر وشرب ، وعمل أمورا أخرى . ولكنهم ، او معظمهم ، لا يستطيعون عمل شيء باتجاه التغيير ، و البعض الآخر ، فهو مع سبق الترصد والإصرار يرفض أي تغيير .
هدف النموذج الغربي واسلوبه في التعليم :
- يوجه التلميذ (منذ السنة الأولى في الدراسة الابتدائية) على التعلم الذاتي و الاعتماد على النفس أولا
من خلال تدريبه على التفكير النقدي و اقتراح الحلول والبدائل ، والثقة بالنفس .
- ويتم تدريبه للتعبير عن اراءه وافكاره شفويا و كتابة ، وتكوين شخصيته ، ونشر ذلك على لوحة خاصة داخل الصف .
- يتدرب عمليا على التجارب المنصوص عليها في المنهج الدراسي ، منذ الابتدائية .
- وعندما يصل الى مرحلة الاعداد للدراسة الجامعية ، يختار المواد التي تساعده للقبول في الاختصاص الذي يريده ، أي انه يحدد تخصصه العلمي والمهني بدء من هذه المرحلة .
- وفي مرحلة الجامعة يركز على المواد التي تؤهله لممارسة مهنة معينة (نظام المقررات) ، وحتى بحث التخرج يتم إختياره بعناية و يكتب لهذا الغرض ، وذلك لأنه من متطلبات الحصول على العمل .
- ورغم كل هذا ، فقد جرت موجة عارمة في الدول المتقدمة في مطلع الالفية الثالثة لإعادة النظر في التعليم بجميع مفاصله ومستوياته وتخصصاته ، بما فيها : إعادة تأهيل المعلمين والمدرسين ونظام الدراسة ليتناغم مع المطلوب من مناهج القرن الحادي والعشرين ويحقق اهدافها . و الهدف المعلن : تأهيل الخريج للتنافس المهني على مستوى العالم و ليس البلد نفسه .
- وفي الدراسات العليا ، يختار الطالب القسم والأستاذ المناسب لموضوع تخصصه قبل التقديم للجامعة . أي ان اختياره للجامعة ليس اعتباطيا ، بل مدروس ليحقق ما يطمح له من مستوى و نوعية تعليم مهني .
- وخلال السنة التحضيرية للدكتوراه ، اما يأخذ الطالب موادا ذات صلة بموضوع بحثه ، او يكلف بكتابة مقالات وابحاث ذات صلة . أي ليس هناك كورسات عامة بعيدة عن الاختصاص الدقيق ، بل مهام علمية مكملة و معززة له .
- وفي كثير من الحالات يختار الطالب موضوع بحثه بناء على طلب من جهة معينة او مؤسسة مهنية تحتاج متخصصين في الموضوع .
- ولكي يحافظ (أي كان) على مكانه في العمل ، فانه يسعى الى توسيع وتعميق و تحديث معلوماته العلمية والمهنية من خلال الانخراط في الكورسات التدريبية في الجامعات المفتوحة و اون لاين . فعملية التعلم والتقدم العلمي مستمرة من المهد الى اللحد .
- بعبارة ادق المنافسة العلمية هي التي تحقق للشخص مكانته في مجتمع العمل .
- تعيد الأقسام العلمية النظر في مناهجها دوريا لتلبية متطلبات السوق وللاخذ بالمستجد في الاختصاص .
- نتيجة التغيرات الاقتصادية العالمية والانتقال من الصناعات التعدينية و التحويلية الى الصناعات الالكترونية و اتساع نطاق قطاع الخدمات المكملة والضرورية لاقتصاد العولمة فان طبيعة ونوعية فرص العمل قد تغيرت جذريا وتتطلب متابعة و تدريبا وإعادة تأهيل مهني .
- الجامعات والمعاهد العلمية هي مؤسسات بحث علمي تعمل لخدمة المجتمع إضافة الى تأهيل الطلبة للعمل مهنيا في تخصصات الأقسام العلمية فيها .
هدف النموذج الآخر واسلوبه في التعليم :
- التلقين و حفظ المعلومات .
- حصر عملية التعلم بقاعة الدرس .
- الاعتماد على المدرس بنسبة عالية جدا (تزيد عن 95%) في التعلم .
- فسحة التفكير الإبداعي و النقد الموضوعي ضيقة جدا عند المعظم .
- المنهج موحد من الابتدائية وحتى الجامعة ، واحيانا حتى الدراسات العليا .
- لا يعرف الطالب ماذا يريد ، لا في اختصاص الثانوية ولا الجامعة ، ولا حتى في الدراسات العليا .
- لم يتم تعويد الطلبة على التفكير النقدي ، ولا الكتابة المنهجية للمقالات و الأبحاث . يعود هذا الى تعويدهم على القراءة بقصد حفظ المعلومات وليس التفكير بها وربطها مع بعضها البعض للإجابة عن أسئلة فكرية او تحليل موضوعي لها .
- مشاريع بحوث التخرج شكلية وغير ذات فائدة الا ما ندر .
- موضوعات الرسائل والاطاريح الجامعية مكررة وبنسق يفقدها قيمتها العلمية ، مع غياب للمنهج التحليلي بمعناه العلمي الدقيق .
- الحصول على الشهادة الجامعية هدفه الحصول على وظيفة رسمية و دخل ثابت . لذلك الدولة مثقلة بالبطالة المقنعة ، وبحملة شهادات أولية وعليا ينقصها التأهيل العلمي والمهني الحقيقي .
- العلاقة بين الجامعات و مؤسسات الدولة الأخرى ، و مؤسسات المجتمع المدني بين الشكلية و المقطوعة ، فدور الجامعات تخريج حملة شهادة وامتصاص غضب الشارع .
وبعد ، هل يمكن مقارنة مستوى تأهيل خريج أي قسم من أي كلية من أي جامعة عندنا مع قرينه من جامعات العالم الاخرى ؟ هل نفرح بالكم الهائل من حملة الشهادات الجامعية ؟ هل نحقق نهضة علمية – حضارية بالأسلوب والنظام التعليمي السائد عندنا الان ؟ ومع كورنا و التعليم الالكتروني ، هل سننتقل الى الامام ؟
اقترح إعادة النظر في اهداف استحداث الأقسام العلمية أولا ، ثم اهداف استحداث الكليات ثانيا ، واهداف استحداث جامعات المحافظات ثالثا ، ومهم جدا إعادة النظر في سياقات قبول الطلبة في الجامعات . وافضل الكل إعادة تشكيل الجامعات لتضم اقساما علمية رصينة وليس كليات إدارية (أي كما هو حال الجامعة التكنولوجية) . فالجامعة التي فيها ثلاث اقسام جغرافيا : تربية ، اداب ، بنات واي قسم منها غير متكامل التخصصات الجغرافية ، وغير مؤهل تقنيا ، كيف سيؤهل طالب الجغرافيا عمليا ؟ اما الجامعات الاهلية …. فلا اريد ازعل احد اكثر …..
والله من وراء القصد