رسائل جامعية في الفكر الجغرافي
أ.د. مضر خليل عمر
نتيجة الكم الهائل من الساعين للحصول على شهادة جامعية عليا ، وبسبب التكرار الممل والمقيت للعنوانات و المواضيع الهامشية ، ولان جانب الفكر العلمي منسي من زمان بعيد ، فقد توجه البعض للكتابة عن اشخاص معينين في الاختصاص . لعل في هذا وفاء لهم ، وفيه توثيق لما انتجوه من كتابات ، ولكن تبقى هناك تساؤلات علمية يجب ان لا تغفل . فالمطلوب توثيق وتقييم علمي منهجي لنتاجاتهم وليس مكتبي . وهناك جوانب اختلاف كبيرة بين المنهجين .
عرض علي اكثر من مرة ، ومن جامعات مختلفة ، ان يكتب احد طلبتهم رسالة ماجستير عني في موضوع الفكر الجغرافي . وقد كتب في جامعة البصره اطروحة دكتوراه عن مسار النتاج العلمي الجغرافي في الجامعة خلال فترة محددة ، وكان عملا توثيقيا مؤشرا الاتجاهات و المسار مع تقييم اولي . انه عمل مكتبي يعزز رصيد الجامعة والقسم و يوثقه ، ليكون منطلقا للتخطيط للفترة اللاحقة . جمع الشتات واستجلاء اتجاهاته واماكن تركزه و مناطق النقص فيه مهم جدا للرؤية المستقبلية . ولكن لم استوعب بعد الكتابة عن اشخاص معينين ، ومن يتولى الكتابة عنهم . ليس تكبرا ولا استصغارا ، بل عدم وضوح الرؤيا عندي ومعرفة الاسباب الحقيقية وراء هذا الاتجاه في الكتابة (تكليف طالب ماجستير بالكتابة عن حملة لقب استاذ) .
حسب علمي ، ما يدرسه طلبة الجغرافيا في جامعاتنا ليس فلسفة الجغرافيا ، بل تاريخ فكر ، وتعد مادة جامدة من قبل الطلبة و مصدر تندر من قبل العديد منهم . ولم يمارس خريجي الجغرافيا كتابة بحوث فعليا اثناء دراستهم الاولية ، ومن قدم بحث تخرج فلا يتعدى عملة تجميع و تنضيد لنصوص منقولة دون تحليل و نقد . ومن المؤلم جدا ، اننا (وطلبتنا ايضا) لم نتعود على القراءة النقدية طيلة مراحل الدراسه ، ولم ندرس الفلسفة و مدارسها (كما هو الامر في نظم التعليم في بعض الاقطار العربية) . بمعنى اننا (جميعا) نفتقر الى الاساس الفكري للكتابة النقدية الفكرية العلمية . نفتقد منهجية الكتابة الفكرية ، فقد نكون ملمين بعض الشيء بسياقات الكتابة العلمية (طرائق تحليل كمية و شكليات منهج البحث العلمي ) ، ولكن تحليل نص و نقده لم نمارسه اثناء التاهيل العلمي ، لا على مستوى الدراسة الاولية ولا العليا .
لكل تدريسي في الجامعه ، نال مرتبة الاستاذية ، مسيرة علمية ومهنية ، لا تقل عن عقدين من الزمان ، و لا يفترض انها كانت متصاعدة بشكل متوازن ، دون مطبات و توقفات و انحرافات (الابتعاد عن موضوع الاختصاص –المنهج العلمي الرصين) . فالاهتمامات العلمية لاي شخص ليست جامدة بل متوافقة مع ومتأثرة بالمستجدات الحياتية والعلمية و التقنية . وجميع هذه ، اضافة الى طبيعة الظروف المحيطة بالباحث (بيئة البحث العلمي في القسم والجامعة – والبيئة الشخصية) لها بصماتها على النتاج العلمي للباحث . فهو لم يكن ، ولا يكون ، في غرف زجاجية معزولا عن ما يحيط به . يضاف الى ذلك طبيعة امكاناته الشخصية ومستوى تاهيله علميا ومهنيا و قدرته على النهوض بعد كل كبوة . والاهم وفوق كل ذلك ، هدفه الشخصي في الحياة العلمية و المهنية هي التي تحدد مستوى نتاجه العلمي .
لكل من يريد ان يكتب عن النتاج العلمي لاي تدريسي ، بغض النظر عن مدى تاهيله العلمي و قدرته على التحليل والاستدلال ، ان يجيب عن الاسئلة المبينة في ادناه قبل ان يكتب :
- هل اطلعت على نتاجاته العلمية جميعها ؟ وايها تجد فيه الاصالة والابتكار ؟
- هل من تكتب عنه يمثل مدرسة فكرية في تخصصه ؟ وما هي ملامح هذه المدرسة ؟
- هل من تكتب عنه يمثل مدرسة في منهج البحث العلمي ؟ وما هي سماتها ؟
- اي مدرسة فلسفية اتبع منطقها ؟ وهل حافظ على نهجها ؟ ام تنقل بين المذاهب الفلسفية ؟
- ما الجديد الذي اضافه الى تخصصه العلمي ؟
- هل يشكل نتاجه العلمي تدرجا منطقيا متصاعدا في تخصصه ؟
- ماهي النقاط الساخنة في التخصص التي كان يتجنب الكتابة فيها \ عنها ؟ وما التفسير ؟
- هل للظروف السياسية و الشخصية بصمات واضحة على نتاجه العلمي ؟
- هل ترى ضرورة تجميع ما كتبه في مؤلف خاص يضاف الى مكتبة القسم المعني ؟
- ماهو رأي طلبته الذي اشرف على نتاجاتهم العلمية ؟ والذين قام بتدريسهم ؟
- هل هناك اشارات مرجعية لما كتبه ونشره في الرسائل الجامعية و المجلات العلمية ؟
اذا وجدت نفسك قادر على الاجابة عن معظم هذه الاسئلة ، فلا ضير من ان تكتب عنه ،
ولكن التزم العلمية امانة ومنهجا …. والله ولي التوفيق .