قراءة المظهر الارضي الثقافي :
اكل الشوارع انموذجا
أ.د. مضر خليل عمر
انتشرت في الاونة الاخيرة ظاهرة المطاعم المتنقلة \ المؤقة في شوارع واماكن معينة في مختلف مدن العراق . وهي ليست بظاهرة جديدة ، في العراق ، حيث كان في السابق هناك سيارات محورة لتصبح مطاعم متنقلة تقدم (البركر و المشويات الاخرى) في بعض مناطق بغداد والبصره . و حاليا ، يميل الكثيرون الى زيارة شارع المتنبي في بغداد و شارع سالم في السليمانية و شارع الاسكان في اربيل ، و السوق الرئيس في شقلاوة وغيرها من الاماكن للتمتع باكل الدولمة والاكلات البيتية بارخص الاسعار . لقد اصبحت اكلات هذه الاماكن منافسة خطيرة لمطاعم النجوم المتعددة للنظافة وجودة الماكل . اضافة الى الاجواء الثقافية و الاجتماعية المفتوحة التي توحي بها مقارنة بالابراج العاجية للمطاعم الفخمة .
ولكل ظاهرة سبب او اسباب ظاهرة واخرى كامنة ، فما هي هذه الاسباب بالنسبة الى انتشار ظاهرة اكل الشوارع ؟ جغرافيا ، عند دراسة ظاهرة ما يبدأ بالمستوى الكبير – الواسع نزولا الى المستوى الدقيق (المحلي) . فظاهرة اكل الشوارع معروف عالميا واشتهرت به مدن واماكن خاصة في مختلف اصقاع الارض . واخيرا وجد ان بامكانها اضفاء اجواء ولمسات ثقافية مرغوبة للمناطق المتدهورة عمرانيا والمطلوب اعادة الحياة اليها . فبعد اعادة الا عمار وجهت النشاطات الثقافية (فنية و فولوكلورية واجتماعية) لها لتجذب الزوار و تغير من صورتها الكالحة السابقة . (دوكلاند لندن على سبيل المثال لا الحصر) . عزز ذلك هيمنة العولمة التي من نتائجها (المقيتة) اتساع رقعة الفقر والفقر المدقع ، و اتساع رقعة المليارديرية بمختلف المستويات ، وانحسار الطبقة المتوسطة وتقوقعها .
نعود الى ظاهرة المطاعم المتنقلة والمؤقتة في شوارع بعض المدن . شخصيا اجد ذلك مبهجا خاصا لجذب الناس الى اماكن تم تطويرها مؤخرا : المتنزهات ، شواطئ الانهار ، مرافق تاريخية منسية ، وغيرها . ويعصرني الالم في الوقت نفسه ان ارى اسر معينة لكي تحافظ على شرفها و وحدتها اشتغلت بمهنة لم تكن تفكر بها قبل عقد من الزمان . انه نشاط عائلي – اقتصادي لجذب المال الحلال والابتعاد عن الرذيلة ، احترمه لهذا السبب . ولكن من دفعهم لهذه الممارسة ؟ لعلنا تناسينا سياقات الاسر المنتجة ، الذي نظمته الدولة سابقا و بعض المؤسسات غير الحكومية والتي كان لها مكانا بارزا في معرض بغداد الدولي . كان نشاطا مدعوما من الدولة للحفاظ على ماء وجه البعض .
والشيئ بالشيئ يذكر ، تلك كانت ظاهرة يمكن عدها ايجابية ، بعض الشيئ ، ولكن ، انتشار الاطفال ماسحي زجاج السيارات و جيش (المكادي) من مختلف الاعمار و الاجناس ، وفي مختلف الاماكن والاوقات ظاهرة مرفوضة كليا ، في دولة تعد الاسلام دينها و دستور حياتها (اين الزكاة و الخمس ؟؟؟؟) . ليس المطلوب منعهم من هذه الممارسة ، بل معالجة الاسباب ، والنتائج . النتيجة المعروفة علميا سيادة ثقافة الفقر ، وسيادة ثقافة الضعة النفسية ، وسيادة تقبل المهانة برحابة صدر . اليست هذه هي المذلة بام عينها ؟ ام ان استراتيج ((شعب لا يستحق الحياة)) هي التي تنفذ مع سبق الترصد والاصرار ؟
عود للجغرافيا ، ما طرح اعلاه ، وما يتضمنه من معان هي موضوعات مركزية للدراسة والتحليل في الجغرافيا التطبيقية ، بفروعها المختلفة : ثقافية ، اقتصادية ، اجتماعية ، سياحية ، حضرية . ادعوا زملائي وزميلاتي التركيز عليها لانها قد تكون منسية او مغيبة لسبب ما .
والله ولي التوفيق .