التغيير : بماذا يبدأ ؟
أ.د. مضر خليل عمر
التغيير سنة الحياة ، وهو حاصل بارادتنا و بدونها ، برغبتنا و بدونها ، شئنا ام ابينا ، فهو امر واقع لا محالة . السؤال الذي يجب ان ننتبه له و نحسب له الف حساب : باي اتجاه يحدث التغيير الذي نعيشه ؟ ولمصلحة من ؟ بالاجابة عن هذين السؤالين (فقط) ، بموضوعية وتجرد ، قد نفقد صوابنا و نشكك في كل صغيرة وكبيرة تحدث حولنا . فللحياة جوانب عديدة ومعطيات لا عد لها ولا حصر ، و الفاعلين فيها من جهات منوعة و عديد كل له دور يمارسة بوعي او بدونه ، عن قصد ام بدنه . ساركز في هذا المقال على جانب ضيق جدا ، ولكنه حيوي و مهم لشريحة يفترض ان يكون لها دور ريادي في الحياة الاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية ، وفوق ذلك والاهم منه : العلمية – الفكرية .
يمثل القسم العلمي – الاكاديمي حجر الزاوية الرصين الذي يرتكز عليه تقدم المجتمع و النهوض الحضاري للبلد برمته . يمثل رئيس القسم ومجلسه العلمي اركان حرب علمية ضد الجهل والتخلف ، و حاجزا يحول دون سيادة المفاهيم والقيم المتخلفة . يتحقق ذلك عندما يكون للقسم استراتيج بحثي يخدم الاقليم الوظيفي للجامعه ، والبلد ، وعندما يوفر بيئة ثقافة البحث العلمي الرصين ، من خلال التعاون و النظرة المشتركة للمستقبل . ومن المؤلم جدا و المؤسف ، حاليا ، غياب الاستراتيج البحثي عند المعظم ان لم يكن الجميع ، وتشرذم المختصين باقسام فرعية تتناحر فيما بينها من اجل المكاسب الشخصية ، و الادهى والامر سيادة العلاقات الاجتماعية – الطائفية – الحزبية و تهميشها للسياقات الاكاديمية الاصولية . انها نتيجة حتمية واستغلال مقيت لمفهوم و منطق الانا الفردي البغيض على حساب المصلحة العامة . فكل واحد لا ينظر الا الى مصلحته الذاتية على حساب كل شيء واي شيء .
فاستحداث (قسم جغرافية) في الجامعة نفسها في كليات : الاداب ، التربية ، التربية الاساسية ، التربية للبنات ، قد ادى الى تقزيم هذه الاقسام و انحسار دورها في تلقين المواد الدراسية المجزوءة في ملازم بصفحات قليلة ، و تحفيظ معلومات بقصد النجاح في الامتحان و تحقيق النسبة المطلوبة للنجاح وزاريا . فالخريج غالبا ما يكون اميا في تخصصه العلمي ، لانه لم يستوعب ما لقن من مادة ولم يدرك اهميتها له في حياته المهنية و اليومية . فعملية Filtering Down (التداعي والتردي) مستمرة و بشكل متسارع للمستوى التعليمي ، ناهيك عن العلمي (جانب شبه منسي) . ودخلت تقنية نظم المعلومات الجغرافية لتبهر البعض و تغطي عن النقص العلمي عند بعضهم ، و تشغل الطالب بالتقنية دون الجوهر الموضوعي – الفكري .
القيادة ، ليست فلتة زمنية ، ولا ضربة حظ ، انها تاهيل علمي – مهني . لا يتحقق ذلك بوجود صراعات فردية – اجتماعية ، بل بالتعاون و النظرة المشتركة للقسم العلمي و التخصص . فحتى قادة العالم لا يحكمون فرادا بل من خلال مؤسسات تسندهم و تعطي النصح لهم من خلف الكواليس . وسقوط (س) من القادة انما هو نهاية دور مؤسسه كامله كانت تقود باسمه . فكيف نحقق القيادة العلمية المسئولة عن مستقبل البلد في مجتمع تناثرت به المؤسسات (الاكاديمية) في مختلف ارجاءه دون المستوى الادنى من استيعاب الدور القيادي لرؤساء الاقسام العلمية ؟ وكيف نحول المسار : من قيادة المجتمع للجامعة الى قيادة الجامعة للمجتمع ؟ هنا تكمن العبرات .
لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم . التغيير يبدأ من الذات ، من الفرد ، وما القوانين والتعليمات و التوجيهات المكتوبة وغير المكتوبة ، الا سياقات لتنفيذ استراتيج ونظرة مستقبلية . احلم ان تتبنى احدى الجامعات وجهة نظري هذه وتخرج عن المالوف (المفروض اجتماعيا – سياسيا – طائفيا) . المطلوب استحداث سياقات عمل تتخطى التشكيلات الادارية دون الغائها . استحداث لجنة عليا للدراسات الجغرافية ، ((مثلا)) ترتبط بالمساعد العلمي لرئيس الجامعة . واجبها :
- قيام التدريسي بتدريس مادة اختصاصة في اقسام الجغرافيا التابعة للجامعة ، ويمكن اعتماد المحاضرات (اون لاين) عند الضرورة ، بدلا من تدريسه اكثر من مادة واحدة في كليته دون ايلائها حقها في السعة والعمق ،
- تشكيل مجامع تخصصية فرعية ضمن الاختصاص العام (جغرافية الحضر والتنمية ، جغرافية المناخ ، …. الخ) تتابع المنجز من الابحاث في الاختصاص و تؤشر مجالات الابحاث المقترحة مستقبلا ، (بحوث تخرج ، رسائل واطاريح ، ابحث ترقية ، الخ ) ،
- تنظيم جداول الافادة من المستلزمات العلمية في الاقسام العلمية ذات العلاقة لافادة منها في التدريس والبحث والتقصي ، من قبل المنظمين للاقسام المعنية ،
- تعزيز الانتماء للاختصاص العلمي اولا ، و الجامعة ثانيا من خلال ممارسة نشاطات علمية – اجتماعية على مستوى الجامعه و خارجها ،
- تعمل اللجنة لان تكون بوابة نشاط مشترك مع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني للاغراض العلمية حصريا ،
- وان تقترح استحداث وحدات و مراكز بحثية تخصصية و \ او متداخلة التخصصات العلمية ، لتكون ارضية للتقدم العلمي والارتقاء الحضاري .
وعلى قدر اهل العزم تاتي العزائم
والله ولي التوفيق .