الرئيسية / الجغرافيا التطبيقية / الصراع على المكان \ المكانة : سنة الحياة

الصراع على المكان \ المكانة : سنة الحياة

الصراع على المكان \ المكانة : سنة الحياة

أ.د. مضر خليل عمر

جغرافيا ، تتنافس استعمالات الارض للوقوع في مواقع معينة (المركز في الغالب) ، و في المحصلة النهائية تشكل نمطا مكانيا طبقا لقدرتها على تحمل الكلف المادية التي يفرضها ذلك الموقع . ادى ذلك الى ظهور نظريات تفسر هذه الانماط ، و تحلل العمليات التي شكلتها ، والعوامل المؤثرة عليها . وقد تغيرت الصورة كليا بفصل مكان السكن عن مكان العمل جراء تطبيقات الفوردية وما تبعها من افكار  وسياسات ، واتساع رقعة الحضر نتيجة انتشار استخدام وسائط النقل الخاص ، و خروج الشركات (العولمة) من قمقم الدول لتحكم هي الدول التي كانت موطنها . هنا ، وبسبب التطورات التقنية في المواصلات والاتصالات ، اعيد النظر جذريا بمفهوم المكان ، ولكنه لم ولن يفقد اهميته . لقد تم تقسيم المكان بين الشركات و الدول المتنفذة في مصير الشعوب .

ومن اجل استيعاب التاريخ والاحداث التي جرت فيه (وتجري حاليا ، ودائما) ، فالاحداث التاريخية والصراعات عبر الزمان  انما تعبر بشكل واضح وجلي عن الصراع على المكان (جغرافيا) و المكانة سياسيا  واقتصاديا . يقصد بالمكان جغرافيا : بشقيه الذاتي (الموضع)  وما يحوية من مصادر طبيعية و بشرية ، و (الموقع)  اقليميا بما يحيط به و يوصل اليه . فالجغرافيا تفسر التاريخ كصراع على المكان ولاجل المكانة المنشودة  من خلاله لانها المسرح الذي وقعت عليه ومن اجله الصراعات و الحروب . وبالمقابل ، لاستيعاب جغرافية اي مكان ، من الجوهري الاطلاع على تاريخة ، القريب على الاقل ، وربط ذلك بجغرافيته والتغيرات التي طرأت عليه .

بسبب العولمة اصبح العالم قرية صغيرة ، فسادت مقولة (فكر عالميا و تصرف محليا) . بعبارة ادق ، ما تحتاجه من سلع و متطلبات لم تنتج محليا سابقا  في بلدك ، قد تجدها الان في مدينتك . فكر ب(الماركات) العالمية و الاكلات الشعبية لبلد ما ، فاحتمال كبير ان تجدها في السوق المحلي حيث تقطن . والغريب ، ان البعض يسافر قصد السياحة الى بلد اخر ، وهناك يبحث عن المطاعم التي تقدم اكلات بلده . فالعالم موجود في كل مكان ولكن بشكل مصغر و معدل ليتناسب مع المكان الجديد  ومتطلباته الاجتماعية و الادارية .

عند قرائتي لفصل في كتاب عن التنوع الحيوي (البايولوجي) ، وجدت ان الكائنات الحية ((نباتية و حيوانية)) تتنافس ايضا على المكان . وانها فعلا امم  مثلنا ، فالفطرة واحدة ، ولكن الخالق قد ميز الانسان بالعقل ليستثمره كخليفة له في الارض ، ولكنه اساء استخدامه وسخره للمصالح الذاتية على حساب  المصالح العامة (العدالة الاجتماعية و البيئية المستدامة) . فالكائنات الحية في تنافس وصراع حاد على المكان وتعمل على تعديل بيئته ليناسبها هي دون غيرها . والمعطيات الايكولوجية الطبيعية مشابهة بدرجة كبيرة ان لم تكن مطابقة للايكولوجيا الاجتماعية ، وحتى في بعض عملياتها processes . حتى اني شككت اني اقرأ كتاب في جغرافية الحضر الاجتماعية وليس في كتاب عن البيئة وحمايتها والحفاظ على التنوع الحيوي فيها  .

كما لاحظت ايضا التنافس و التسابق عند البعض للجلوس في الصف الاول في المسجد ، و التدافع والتزاحم الشديد بين الحجيج والمعتمرين عند الحجر الاسعد و قرب ستار الكعبة المشرفة . ولعل  مرد ذلك  معتقد الحصول على  مكانة دنيوية قبل الاخرة ، امام الذات وعند الاخرين  (مظهرية – خاصة  ما يرافقها اخذ صور – سلفي) . ولا غرابة من التنافس (القذر) على المواقع الدنيوية في السلطة و شراء المناصب و الاصوات لاشغال موقع يمنح صاحبه مكانة معينة في المجتمع . فالمكان  يوفر مكانة (اقتصاديه – اجتماعية – سياسية – دينية)  لشاغله ، و يحدد موقعه من السلطة . و لعل من كلف بمواقع ادارية سابقا  قد وعى بشكل جازم ان الموقع \ المنصب \ المكان قد لف حوله اصدقاء المنصب و خلق له اعداء بين منافسين و \ او من كان يريد ترويج معاملات غير قانونية  عارضها هو . فالمكان هنا ابتلاء دنيوي و ديني في الوقت نفسه .

 

عن الدكتور مضر خليل عمر الكيلاني

متقاعد حاليا ، ارحب بكل من يحتاج مساعدة للتعلم واكتساب خبرة في البحث العلمي ، والجغرافيا بشكل خاص ، وكلي استعداد لتقديم يد العون ، لوجه الله .

شاهد أيضاً

التحقيق في جغرافية الجريمة

درس نموذجي لتدريب الطلبة على البحث العلمي في جغرافية الجريمة و التفكير منهجيا لمعالجة المشاكل ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *