حضارة (الانا) وآثارها الاجتماعية
أ.د. مضر خليل عمر
لست باحثا اجتماعيا ، ولكني معني بالتباين المكاني للاعراف الاجتماعية و تفسيره ، ومن خلال سفراتي العديدة لمختلف اصقاع الارض ، و معايشتي العراقيين في الداخل و الخارج ، ومن خلال دراستي لحضارات الشعوب والامم والمجاميع الاجتماعية توصلت الى قناعة مفادها : أن الفرد العراقي يعاني من عقدة هيمنة الانا (المقيتة) والتي يعمل جاهدا فرضها على المجتمع ، وبشتى الطرق والوسائل والاساليب ، سواء اكان ذلك محليا او اقليميا او وطنيا ، وحتى عندما يكون خارج العراق ، زائرا او مقيما . ادون ادناه بعض ممارسات (الانا) وكيف اثرت على النظام الاجتماعي ، وحتى القانوني ، وبالمحصلة النهائية المستوى الحضاري – الانساني للبلد .
- عند تقييم النظام التعليمي في العراق والحال الذي وصل اليه نؤشر الكثير من المثالب و الخروقات ، وغيرها مما يجعل النظام التعليمي متخلفا (علميا و حضاريا ، واجتماعيا) . في الواقع ان النظام التعليمي (اجمالا) كان هشا ، في الكثير من الاحيان ، امام الضغوط الاجتماعية (الواسطات) و السياسية (استثناءات خاصة) . وهذه الممارسات هي تعبير عن (الانا) وكونها اعلى من الضوابط والتعليمات و القانون ، بل إن بعضها قد اصبح من صلب القانون . ولعل تقييم موضوعي لجامعات المحافظات خير دليل وبرهان لا يقبل الشك على سيادة الاثر الاجتماعي (الانا مغلفة بعباءة العشيرة) على الاعراف والممارسات و تجاوزها للتعليمات والضوابط .
- نظام المرور ، رائع ويحفظ حقوق الجميع ، ويجعل حركة الحياة انسيابية و مريحة ، عوقته (انا) المسئولين و الزفات الاجتماعية و سلوكيات السواق غير المؤهلين وغير المنضبطين ، و رشاوى بعض من العاملين على حفظ النظام . النتيجة سيادة الفوضى وغياب النظام .
- وكالات السفر وشركاته ، مظهر حضاري ييسر حركة السفر والتنقل والسياحة . (انا) البعض ، في عدم الالتزام بوقت السفر قد ادى الى ان تفقد الكثير من الشركات مصداقيتها ، وبالتالي سمعتها (بما فيها الخطوط الجوية) . ولعل شركات السفر بحاجة الى فرض قانون على من لا يلتزم بالتعليمات و الضوابط . ويبقى السؤال : من يجرؤ على اصدار مثل هذا القانون ((انه يتعدى على حرية اصحاب الانا القوية)) ؟
- (أنا) الموظفين و تجبرهم على المواطنين ، و انحراف البعض منهم والمطالبة بحقوقه (رشوة) لتمشية المعاملة . فساد اداري اساسه الانا مستغلة غياب المحاسبة .
- عندما تتكلس وتتحجر هذه (الانا) عند البعض (اشخاصا او مؤسسات) وتفرض ضمن تعليمات وضوابط ، قد تكون ممكنة التطبيق محليا ، ولكنها مستحيلة دوليا ، حينها تكون الطامة الكبرى . مثال على ذلك طلب وجود (ختم) على الاطاريح والرسائل الجامعية الصادرة عن جامعات عالمية . يا ناس … يا عالم …. الاختام الرسمية معمول فيها فقط في العراق وليس الدول المتقدمة . ليس لنا الحق ان نفرض هذا السلوك المتخلف على الاخرين ….. سنكون مضحكة … و مجالا للاستهزاء ..
- إن عدم احترام حقوق الاخرين خير دليل على قوة (الانا) وهيمنتها على السلوك ، وعدم الاعتراف بحقوق الاخرين المشروعة ، (افرادا ، ومجاميع و قوميات و طوائف واديان و شعوب) … ((سياسيا ، اقتصاديا ، اجتماعيا ، انسانيا ، …. حضاريا)) ، وقد كتبت في هذا سابقا .
هذا غيض من فيض …. ولكل من يحب ان يدلو بدلوه لاشباع الموضوع حق لا احرمه منه ، فلست من جماعة (الانا) المقيتة ، بل من جماعة (نحن ) : الانسانية ، الحضارية .